منتدي q8-one.com  

العودة   منتدي q8-one.com > ۝ المنتدى الإسلامي ۝ > منتدى نور الإيمان

منتدى نور الإيمان كل مايخص الدين الحنيف بدون تعصب او تحيذ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 2008-02-22, 02:56 PM
الصورة الرمزية THE KING
THE KING THE KING غير متواجد حالياً
مراقب
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: اسكندريه
المشاركات: 4,738
THE KING is on a distinguished road
افتراضي

هود : عليه السلام

في أرض اليمن، وفي مكان يسمَى (الأحقاف) كان يقيم قوم عاد الأولى الذين يرجع نسبهم إلى نوح، وكانوا يسكنون البيوت ذوات الأعمدة الضخمة، قال تعالى: {إرم ذات العماد . التي لم يخلق مثلها في البلاد } [الفجر:7-8] ويبنون القصور العالية والحصون المرتفعة، ويتفاخرون ببنائها، قال تعالى: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون . وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} الشعراء: [128-129] ويملكون حضارة عظيمة، وقد برعوا في الزراعة بسبب توفر الماء العذب الغزير وكثر لديهم الخير الوفير، وكثرت الأموال والأنعام، وأصبحت منطقتهم حقولا خصبة خضراء، وحدائق زاهرة وبساتين وعيونًا كثيرة.
وأعطى الله أهل هذه القبيلة بنية جسدية تختلف عن سائر البشر، فكانوا طوال الأجسام أقوياء.. إذا حاربوا قومًا أو قاتلوهم هزموهم، وبطشوا بهم بطشًا شديدًا، قال تعالى: {وإذا بطشتم بطشتم جبارين . فاتقوا الله وأطيعون . واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام وبنين . وجنات وعيون )[الشعراء: 130-134

وبرغم هذه النعم الكبيرة والخيرات الكثيرة التي أعطاهم الله إياها، لم يشكروا
الله -تعالى- عليها، بل أشركوا معه غيره؛ فعبدوا الأصنام، وكانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، وارتكبوا المعاصي والآثام، وأفسدوا في الأرض، فأرسل الله لهم هودًا -عليه السلام- ليهديهم إلى الطريق المستقيم وينهاهم عن ضلالهم ويأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، ويخبرهم بأن الله -سبحانه- هو المستحق للشكر على ما وهبهم من قوة وغنى ونعم، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} [الأعراف:65] فتساءلوا: ومن أنت حتى تقول لنا مثل هذا الكلام؟‍‍! فقال هود -عليه السلام- {إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون} [الشعراء: 125-126] فرد عليه قومه بغلظة واستكبار: { إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين } [الأعراف: 66
فقال لهم هود: { يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين [الأعراف:67-68
فاستكبر قومه، وأنكروا عبادة الله، وقالوا له: {يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين} [هود:53] وقالوا له: وما الحالة التي أنت فيها، إلا أن آلهتنا قد غضبت عليك، فأصابك جنون في عقلك، فذلك الذي أنت فيه، فلم ييأس هود -عليه السلام- وواصل دعوة قومه إلى طريق الحق، فأخذ يذكرهم بنعم الله -تعالى- عليهم؛ لعلهم يتوبون إلى الله ويستغفرونه، فقال: {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون } [الشعراء: 132-134
ثم قال: { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين } [هود: 52
ولم يجد هود -عليه السلام- فيهم إلا قلوبًا ميتة متحجرة متمسكة بغيها وضلالها، وإصرارها على عبادة الأصنام، إذ قابلوا نصحه وإرشاده لهم بالتطاول عليه والسخرية منه، فقال لهم:
{ إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون. من دونه فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون . إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم . فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قومًا غيركم ولا تضرونه شيئًا إن ربي على كل شيء حفيظ } [هود:54-57

فاستكبروا وتفاخروا بقوتهم وقالوا لهود: { من أشد منا قوة } [فصلت: 15] وأخذوا يسخرون منه ويستعجلون العذاب والعقوبة في سخرية واستهزاء فقالوا: { فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين } [الأعراف: 70
فقال هود -عليه السلام-: {قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين} [الأعراف:71] وبدأ عذاب الله لقوم عاد بأن أرسل عليهم حرًّا شديدًا، جفَّت معه الآبار والأنهار، وماتت معه الزروع والثمار، وانقطع المطر عنهم مدة طويلة، ثم جاء سحاب عظيم، فلما رأوه استبشروا به، وفرحوا، وظنوا أنه سيمطر ماءً،
وقالوا: ( هذا عارض ممطرنا ) [الأحقاف: 24
لقد ظنوا أن السحب ستأتي لهم بالخير، لتروي عطشهم وتسقي إبلهم وخيولهم، وزرعهم وبساتينهم، ولكنها كانت تحمل لهم العذاب والفناء، فجاءتهم ريح شديدة استمرت سبع ليالٍ وثمانية أيام دائمة دون انقطاع، تدمر كل شيء أمامها حتى أهلكتهم، قال تعالى: { ريح فيها عذاب أليم . تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين } [الأحقاف: 24-25
ونجَّى الله هودًا ومن آمنوا معه، قال تعالى: { فأنجيناه والذين آمنوا معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين } [الأعراف: 72] وسار
هود -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين إلى مكان آخر يعبدون الله فيه ويسبحونه
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 2008-02-22, 03:02 PM
الصورة الرمزية THE KING
THE KING THE KING غير متواجد حالياً
مراقب
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: اسكندريه
المشاركات: 4,738
THE KING is on a distinguished road
افتراضي

يوسف : عليه السلام

في ليلة من الليالي رأى يوسف -عليه السلام- وهو نائم رؤيا عجيبة، فقد رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له فلما استيقظ، ذهب إلى أبيه يعقوب -عليه السلام- في هذه الرؤيا. فعرف أن ابنه سيكون له شأن عظيم، فحذره من أن يخبر إخوته برؤياه، فيفسد الشيطان قلوبهم، ويجعلهم يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، فلم يقص رؤيته على أحد.
وكان يعقوب يحب يوسف حبًّا كبيرًا، ويعطف عليه ويداعبه، مما جعل إخوته يحسدونه، ويحقدون عليه، فاجتمعوا جميعا ليدبروا له مؤامرة تبعده عن أبيه.
فاقترح أحدهم أن يقتلوا يوسف أو يلقوه في أرض بعيدة، فيخلو لهم أبوهم، وبعد ذلك يتوبون إلى الله، ولكن واحدًا آخر منهم رفض قتل يوسف، واقترح عليهم أن يلقوه في بئر بعيدة، فيعثر عليه بعض السائرين في الطريق، ويأخذونه ويبيعونه.
ولقيت هذه الفكرة استحسانًا وقبولاً، واستقر رأيهم على نفيه وإبعاده، وأخذوا يتشاورون في تدبير الحيلة التي يمكن من خلالها أخذ يوسف وتنفيذ ما اتفقوا عليه، ففكروا قليلا، ثم ذهبوا إلى أبيهم وقالوا له: (يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون)[يوسف: 11].
فأجابهم يعقوب -عليه السلام- أنه لا يقدر على فراقه ساعة واحدة، وقال لهم: (أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون)[يوسف: 13]
فقالوا: (لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون)[يوسف:14]. وفي الصباح، خرج الأبناء جميعًا ومعهم يوسف -عليه السلام- إلى الصحراء، ليرعوا أغنامهم، وما إن ابتعدوا به عن أبيهم حتى تهيأت لهم الفرصة لتنفيذ اتفاقهم، فساروا حتى وصلوا إلى البئر، وخلعوا ملابسه ثم ألقوه فيها، وشعر يوسف بالخوف، والفزع، لكن الله كان معه، حيث أوحى إليه ألا تخاف ولا تجزع فإنك ناج مما دبروا لك.
وبعد أن نفذ إخوة يوسف مؤامرتهم، جلسوا يفكرون فيما سيقولون لأبيهم عندما يسألهم، فاتفقوا على أن يقولوا لأبيهم إن الذئب قد أكله، واخلعوا يوسف قميصه، وذبحوا شاة، ولطخوا بدمها قميص يوسف.
وفي الليل، عادوا إلى أبيهم، ولما دخلوا عليه بكوا بشدة، فنظر يعقوب إليهم ولم يجد فيهم يوسف معهم، لكنهم أخبروه أنهم ذهبوا ليتسابقوا، وتركوا يوسف ليحرس متاعهم، فجاء الذئب وأكله، ثم أخرجوا قميصه ملطخًا بالدماء، ليكون دليلا لهم على صدقهم.
فرأى يعقوب -عليه السلام- القميص سليمًا، حيث نسوا أن يمزقوه، فقال لهم: عجبًا لهذا الذئب كان رحيمًا بيوسف أكله دون أن يقطع ملابسه. ثم قال لهم مبينًا كذبهم: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون)[يوسف: 18].
أما يوسف فكان لا يزال حبيسًا في البئر ينتظر الفرج والنجاة، وبينما هو كذلك، مرت عليه قافلة متجهة إلى مصر، فأرادوا أن يتزودوا من الماء، فأرسلوا أحدهم إلى البئر ليأتيهم بالماء، فلما ألقى دلوه تعلق به يوسف، فنظر في البئر فوجد غلامًا جميلاً يمسك به، ففرح الرجل ونادى رجال القافلة، فأخرجوا يوسف، وأخذوه معهم إلى مصر ليبيعوه.
وكان عزيز مصر في هذا اليوم يتجول في السوق، ليشتري غلامًا له؛ لأنه لم يكن له أولاد، فوجد هؤلاء الناس يعرضون يوسف للبيع، فذهب إليهم، واشتراه منهم بعدة دراهم قليلة.
ورجع عزيز مصر إلى زوجته، وهو سعيد بالطفل الذي اشتراه، وطلب من زوجته أن تكرم هذا الغلام، وتحسن معاملته، فربما نفعهما أو اتخذاه ولدًا لهما، وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض فأصبح محاطًا بعطف العزيز ورعايته.
ومرت السنون، وكبر يوسف، وأصبح شابًا قويًّا، رائع الحسن، وكانت امرأة العزيز تراقب يوسف يومًا بعد يوم، وازداد إعجابها به لحظة بعد أخرى، فبدأت تظهر له هذا الحب بطريق الإشارة والتعريض، لكن يوسف -عليه السلام- كان يعرض عنها، ويتغافل عن أفعالها، فأخذت المرأة تفكر كيف تغري يوسف بها.
وذات يوم، انتهزت فرصة غياب زوجها عن القصر، فتعطرت وتزينت، ولبست أحسن الثياب، وغلقت الأبواب ودعت يوسف حتى أدخلته حجرتها، وطلبت منه أن يفعل معها الفاحشة.
لكن يسوف بعفته وطهارته امتنع عما أرادت، ورد عليها ردًّا بليغًا حيث قال: (معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون) [يوسف: 23].
ثم أسرع يوسف -عليه السلام- ناحية الباب يريد الخروج من المكان، لكن امرأة العزيز لم تدع الفرصة تفوتها، فجرت خلفه، لتمنعه من الخروج، وأمسكت بقميصه فتمزق.
وفجأة، حضر زوجها العزيز، وتأزم الموقف، وزاد الحرج، لكن امرأة العزيز تخلصت من حرج موقفها أمام زوجها، فاتهمت يوسف بالخيانة ومحاولة الاعتداء عليها، وقالت لزوجها: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم)[يوسف: 25].
وأمام هذا الاتهام، كان على يوسف أن يدافع عن نفسه، فقال: (هي راودتني عن نفسي)[يوسف: 26].
فاحتكم الزوج إلى رجل من أهل المرأة، فقال الرجل من غير تردد انظروا: (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين)[يوسف: 26-27].
فالتفت الزوج إلى امرأته، وقال لها: (إنه من كيدكم إن كيدكن عظيم)[يوسف: 28]، ثم طلب العزيز من يوسف أن يهمل هذا الموضوع، ولا يتحدث به أمام أحد، ثم طلب من زوجته أن تستغفر من ذنبها وخطيئتها.
واتفق الجميع على أن يظل هذا الفعل سرًّا لا يعرفه أحد، ومع ذلك فقد شاع خبر مراودة امرأة العزيز ليوسف، وطلبها للفاحشة، وانتشر في القصر وتحدث نساء المدينة بما فعلته امرأة العزيز مع فتاها، وعلمت امرأة العزيز بما قالته النسوة عنها، فغضبت غضبًا شديدًا، وأرادت أن تظهر لهن عذرها، وأن جمال يوسف وحسن صورته هما اللذان جعلاها تفعل ذلك، فأرسلت إليهن، وهيأت لهن مقاعد مريحة، وأعطت كل واحدة منهن سكينا، ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن.
فخرج يوسف متمثلاً لأمر سيدته، فلما رآه النسوة انبهرن بجماله وحسنه، وقطعن أيديهن دون أن يشعرن بذلك، وظن جميع النسوة أن الغلام ما هو إلا ملك، ولا يمكن أن يكون بشرًا. فقالت امرأة العزيز: (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين)[يوسف: 32].
واقتنع النساء بما تفعله امرأة العزيز مع يوسف، فلما رأى ذلك منهن قال: (قال رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)[يوسف: 33].
وكادت تحدث فتنة في المدينة بسبب عشق النساء ليوسف، فرأى القائمون على الأمر في مصر أن يسجن يوسف إلى حين، فسجنوه، وظل يوسف -عليه السلام- في السجن فترة، ودخل معه السجن فتيان أحدهما خباز والآخر ساقي، ورأيا من أخلاق يوسف وأدبه وعبادته لربه ما جعلهما يعجبان به، فأقبلا عليه ذات يوم يقصان عليه ما رأيا في نومهما، (قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين)[يوسف: 36]
ففسر لهما يوسف رؤياهما، بأن أحدهما سيخرج من السجن، ويرجع إلى عمله كساق للملك، وأما الآخر وهو خباز الملك فسوف يصلب، وتأكل الطير من رأسه.
وقبل أن يخرج ساقي الملك من السجن طلب من يوسف أن يذكر أمره عند الله، ويخبره أن في السجن بريئًا حبس ظلمًا، حتى يعفو عنه، ويخرج من السجن، ولكن الساقي نسى، فظل يوسف في السجن بضع سنين، وبمرور فترة من الزمن تحقق ما فسره لهما يوسف.
وفي يوم من الأيام، نام الملك فرأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع نحيفات، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فقام من نومه خائفا مفزوعًا مما رآه، فجمع رجاله وعلماء دولته، وقص عليهم ما رآه، وطلب منهم تفسيره، فأعجزهم ذلك، وأرادوا صرف الملك عنه حتى لا ينشغل به، فقالوا: (أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)[يوسف: 44].
لكن هذه الرؤيا ظلت تلاحق الملك وتفزعه أثناء نومه، فانشغل الملك بها، وأصر على معرفة تفسيرها، وهنا تذكر الساقي أمر يوسف، وطلب أن يذهب إلى السجن ليقابل يوسف، وهناك طلب منه أن يفسر رؤيا الملك، ففسر يوسف البقرات السمان والسنبلات الخضر بسبع سنين يكثر فيها الخير وينجو الناس فيه من الهلاك.
ولم يكتف يوسف بتفسير الحلم، وإنما قدم لهم الحل السليم. وما يجب عليهم فعله تجاه هذه الأزمة، وهو أن يدخروا في سنوات الخير ما ينفعهم في سنوات القحط والحاجة من الحبوب بشرط أن يتركوها في سنابلها، حتى يأتي الله بالفرج.
ولما عرف الساقي تفسير الرؤيا، رجع إلى الملك ليخبره بما قاله له يوسف. ففرح الملك فرحًا شديدًا، وراح يسأل عن ذلك الذي فسر رؤياه، فقال الساقي: يوسف. فقال الملك على الفور: ائتوني به.
فذهب رسول الملك إلى يوسف وقال له: أجب الملك، فإنه يريد أن يراك، ولكن يوسف رفض أن يذهب إلى الملك قبل أن تظهر براءته، ويعرف الملك ما حدث له من نساء المدينة.
فأرسل الملك في طلب امرأة العزيز وباقي النسوة، وسألهن عن الأمر، فقلن معترفات بذنوبهن مقرَّات بخطئهن، ومعلنات عن توبتهن إلى الله: ما رأينا منه سوءًا، وأظهرت امرأة العزيز براءة يوسف أمام الناس جميعًا.
عندئذ أصدر الملك قراره بتبرئة يوسف مما اتهم به، وأمر بإخراجه من السجن وتكريمه، وتقريبه إليه. ثم خيره أن يأخذ من المناصب ما شاء فقال يوسف: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليهم)[يوسف: 55]. فوافق الملك على أن يتقلد يوسف هذا المنصب لأمانته وعلمه.
وتحققت رؤيا الملك، وانتهت سنوات الرخاء، وبدأت سنوات المجاعة، وجاء الناس من كل مكان في مصر والبلاد المجاورة ليأخذوا حاجتهم من خزائن الملك.
وفي يوم من الأيام، وأثناء توزيع الحبوب على الناس إذا بيوسف أمام رجال يعرفهم بلغتهم وأشكالهم وأسمائهم، وكانت مفاجأة لم يتوقعوها، إنهم إخوته، أبناء أبيه يعقوب -عليه السلام-، الذي ألقوه في البئر وهو صغير، لقد جاءوا محتاجين إلى الطعام، ووقفوا أمامه دون أن يعرفوه، فقد تغيرت ملامحه بعدما كبر، فأحسن يوسف إليهم، وأنسوا هم به، وأخبروه أن لهم أخا أصغر من أبيهم لم يحضر معهم، لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه.
فلما جهزهم يوسف بحاجات الرحلة، وقضى حاجتهم، وأعطاهم ما يريدون من الطعام، قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين. فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون).
[يوسف: 59-60].
فأظهروا أن الأمر ليس ميسورا وسوف يمانع، ليستبدلوا بها القمح والعلف في رحالهم بدلا من القمح فيضطروا إلى العودة إليه بأخيهم.
وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم، وقالوا: (يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون)[يوسف: 63]، فرفض يعقوب.
وذهب الإخوة إلى بضاعتهم ليخرجوها ففوجئوا ببضاعتهم الأولى التي دفعوها ثمنا، ولم يجدوا قمحا، فأخبروا والدهم أن بضاعتهم قد ردت إليهم، ثم أخذوا يحرجون أباهم بالتلويح له بمصلحة أهلهم في الحصول على الطعام، ويؤكدون له عزمهم على حفظ أخيهم، ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم، فقد كان يوسف يعطي لكل فرد حمل بعير.
فقال لهم أبوهم: (لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل)[يوسف: 66]، ولم ينس أن يوصيهم في هذا الموقف وينصحهم، فقال لهم: (يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون)[يوسف: 67].
وسافر الإخوة إلى مصر، ودخلوها من حيث أمرهم أبوهم، ولما وقفوا أمام يوسف، دعا أخاه الصغير، وقربه إليه، واختلى به، وأخبره أنه يوسف أخوه.
ثم وزن البضاعة لإخوته، فلما استعدوا للرحيل والعودة إلى بلادهم، إذا بيوسف يريد أن يستبقي أخاه بجانبه، فأمر فتيانه بوضع السقاية (إناء كان يكيل به) في رحل أخيه الصغير، وعندما بدأت القافلة في الرحيل إذا بمناد ينادي ويشير إليهم: (إنكم لسارقون) [يوسف: 70].
فأقبل الإخوة يتساءلون عن الذي فقد، فأخبره المنادي أنه فقد مكيال الملك، وقد جعل لمن يأتي به مكافأة قدرها حمل بعير.
وهنا لم يتحمل إخوة يوسف ذلك الاتهام، فدخلوا في حوار ساخن مع يوسف ومن معه، فهم ليسوا سارقين وأقسموا على ذلك. فقال الحراس: (فما جزاؤه إن كنت كاذبين)[يوسف: 74].
هنا ينكشف التدبير الذي ألهمه الله يوسف، فقد كان الحكم السائد في شريعة بني إسرائيل أن السارق يكون عبدًا للمسروق منه، ولما كان يوسف -عليه السلام- يعلم أن هذا هو جزاء السارق في شريعة بني إسرائيل، فقد قبل أن يحتكم إلى شريعتهم دون شريعة المصريين، ووافق إخوته على ذلك لثقتهم في أنفسهم. فأصدر يوسف الأوامر لعماله بتفتيش أوعية إخوته. فلم يجدوا شيئا، ثم فتشوا وعاء أخيه، فوجدوا فيه إناء الكيل.
وتذكر إخوة يوسف ما وعدوا به أباهم من عودة أخيهم الصغير إليه، فقالوا: (يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين)[يوسف: 78].
فقال يوسف: (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون) [يوسف:79].
وهكذا مكن الله ليوسف أن يحتفظ بأخيه، أما الإخوة فقد احتاروا وجلسوا يفكرون فيما سيقولونه لأبيهم عندما يعودون، فقرر كبيرهم ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه إلا أن يأذن له أبوه، أو يقضي الله له بحكم، وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم، ويخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فأخذ بما سرق، وإن شك في ذلك؛ فليسأل القافلة التي كانوا معها أو أهل المدينة التي كانوا فيها.
فعادوا إلى أبيهم وحكوا له ما حدث، إلا أن أباهم لم يصدقهم، وقال: (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا إنه هو العليم الحكيم)[يوسف: 83]، ثم تركهم، وأخذ يبكي على يوسف وأخيه، حتى فقد بصره، فاغتاظ أبناءه وقالوا: (تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين)[يوسف: 85].
فرد يعقوب -عليه السلام- عليهم أنه يشكو أمره لله، وليس لأحد من خلقه، وطلب منهم أن يذهبوا ليبحثوا عن يوسف وأخيه، فهو يشعر بقلب المؤمن أن يوسف مازال حيًّا، والمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبدًا.
وتوجه الأبناء إلى مصر للمرة الثالثة يبحثون عن أخيهم، ويلتمسون بعض الطعام، وليس معهم إلا بضاعة رديئة.
ولما وصلوا مصر دخلوا على يوسف، فقالوا له: (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يحب المتصدقين)[يوسف: 88]. ففاجأهم يوسف بهذا السؤال: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) [يوسف:89]، فتنبهوا إلى رنين هذا الصوت، وإلا هذه الملامح التي ربما يعرفونها، فقالوا: (أئنك لأنت يوسف)
[يوسف: 90].
فأخبرهم يوسف بحقيقته، وبفضل الله عليه. فاعتذر له إخوته، وأقروا بخطئهم، فعفا يوسف عنهم، وسأل الله لهم المغفرة. ثم سألهم يوسف عن أبيه، فعلم منهم أنه قد فقد بصره بسبب حزنه عليه، فقال لهم: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين)[يوسف: 93].
فأخذوا القميص وخرجوا من مصر متوجهين إلى فلسطين وقبل أن تصل العير قال يعقوب لمن حوله: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون)[يوسف: 94]، فقالوا له: تالله إنك لفي ضلالك القديم)[يوسف: 95]
وبعد أيام عادة إخوة يوسف إلى أبيهم، وبشروه بحياة يوسف وسلامة أخيه، ثم أخرجوا قميص يوسف، ووضعوه على وجه يعقوب، فارتد إليه بصره.
وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم، فوعدهم يعقوب بأنه سيستغفر لهم الله وقت *****؛ لأن هذا أدعى إليه استجابة الدعاء.
وغادر بنو إسرائيل أرضهم متوجهين إلى مصر، فلما دخلوها، استقبلهم يوسف بترحاب كبير، وأكرم أبويه، فأجلسهما على كرسيه، وهنا لم يتمالك يعقوب وامرأته وبنوه الأحد عشر أنفسهم حتى انحنوا تحية ليوسف وإكبار لوفائه، وتقديرا لعفوه وفضله، وتذكر يوسف رؤياه القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد عشر كوكبًا بعدد إخوته، والشمس والقمر هنا أبواه، فقال: (يا أبت هذا تأويل رُءياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم)[يوسف: 100].
ثم توجه يوسف -عليه السلام- إلى الله -عز وجل- يشكره على نعمه، فقال: ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين
[يوسف: 101].
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس. فقال: "أتقاهم". فقالوا: ليس عن هذا نسألك. فقال: "فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله" [متفق عليه].
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 2008-02-22, 03:02 PM
الصورة الرمزية THE KING
THE KING THE KING غير متواجد حالياً
مراقب
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: اسكندريه
المشاركات: 4,738
THE KING is on a distinguished road
افتراضي

يحي : عليه السلام

يحيى -عليه السلام- نبي من أنبياء بني إسرائيل، ظهرت آية الله وقدرته فيه حين خلقه، حيث كان أبوه نبي الله زكريا -عليه السلام- شيخًا كبيرًا، وكانت أمه عاقرًا لا تلد، وكان يحيى -عليه السلام- محبًّا للعلم والمعرفة منذ صغره، وقد أمره الله تعالى بأن يأخذ التوراة بجد واجتهاد، فاستوعبها وحفظها وعمل بما فيها، والتزم بأوامر الله سبحانه وابتعد عن نواهيه، قال تعالى: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيًّا} [مريم: 12].
وقد ابتعد يحيى عن لهو الأطفال، فيحكى أنه كان يسير وهو صغير إذ أقبل على بعض الأطفال وهم يلعبون فقالوا له: يا يحيى تعال معنا نلعب؛ فرد عليهم
يحيى -عليه السلام- ردًّا بليغًا فقال: ما للعب خلقنا، وإنما خلقنا لعبادة
الله، وكان يحيى متواضعًا شديد الحنان والشفقة والرحمة وخاصة تجاه والديه، فقد كان مثالاً للبر والرحمة والعطف بهما، قال تعالى عن يحيى: {وحنانًا من لدنَّا وزكاة وكان تقيًّا . وبرًّا بوالديه ولم يكن جبارًا عصيًّا} [مريم:13-14].
وحمل يحيى لواء الدعوة مع أبيه، وكان مباركًا يدعو الناس إلى نور
التوحيد ليخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإسلام، وكان شديد الحرص على أن ينصح قومه ويعظهم بالبعد عن الانحرافات التى كانت سائدة حين ذاك، وذات يوم جمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس ثم صعد المنبر، وأخذ يخطب في الناس، فقال: (إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن.. أولهنَّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، فإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو ورق (فضة) فقال: هذه
داري، وهذا عملي فاعمل وأد إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ؟!
وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم، فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وآمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك، فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله -تعالى- من ريح المسك، وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله، فإن
مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا، حتى إذا أتى على حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا
بذكر الله) [الترمذي].
وكان يحيى يحب العزلة والانفراد بنفسه فكان كثيرًا ما يذهب إلى البراري والصحاري، ليعبد الله عز وجل فيها وحده، وروي أن يحيى -عليه السلام- لم يأت بخطيئة قطُّ، ولم يقبل على ذنب أبدًا، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يحيى بن زكريا ما هم بخطيئة ولا عملها) [أحمد] ولقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يحيى -عليه السلام- ليلة المعراج في السماء الثانية يجلس مع عيسى بن مريم، يقول صلى الله عليه وسلم: (.... ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل من هذا؟ قال: جبريل.. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم.. فلما خلصت إذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت فردَّا، ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح) [البخاري] وروي أنه مات قتيلاً على يد بني إسرائيل
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 2008-02-22, 03:03 PM
الصورة الرمزية THE KING
THE KING THE KING غير متواجد حالياً
مراقب
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: اسكندريه
المشاركات: 4,738
THE KING is on a distinguished road
افتراضي

عيسى : عليه السلام

ذهبت امرأة عمران بمريم إلى المسجد الأقصى وفاءً بنذرها، لتنشأ فيه نشأة طيبة وتتعلم أصول دينها، وتتربى على مكارم الأخلاق، وتكفَّل زكريا برعاية مريم وكان زكريا زوجًا لخالتها، فقام بتربيتها وكفالتها ورعايتها حتى كبرت على الأخلاق الحميدة.
عاشت مريم في محرابها تعبد الله وتسبحه وتقدِّسه، وذات يوم دخل عليها مجموعة من الملائكة على هيئة البشر، وأبلغوها ثناء الله -عز وجل- عليها، وحثوها على مزيد من الطاعة والعبادة والصلاة، فقالوا لها: {يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين . يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} [آل عمران:42-43] ثم بشَّروها بولد منها سيكون نبيًّا كريمًا مؤيدًا بالمعجزات، فقالوا: {يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح
عيسى بن مريم وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين . ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين} [آل عمران:45-46] فتعجبت مريم، إذ كيف يكون لها ولد وليست متزوجة، ولم يمسسها أي رجل!! فأخبرتها ملائكة الله أن هذه هي إرادة الله سبحانه القادر على كل شىء، ولم تملك مريم -عليها السلام- في هذا الأمر إلا أن تستسلم لله عز وجل، وتتحصن به في هذا المقام، لعل الله سبحانه أن يجعل لها مخرجًا.
ذات يوم وبينما هي وحدها، أرسل الله إليها الروح الأمين جبريل -عليه السلام- على هيئة بشرية وفي صورة حسنة، فلما رأته خافت وفزعت منه، فلم يكن يدخل عليها المحراب أحد غير زكريا، فتعوذت بالله من هذا الشخص الذي دخل عليها.
فطمئنها جبريل أنه رسول الله إليها، ليهب لها غلامًا طيبًا مباركًا، ونفخ فيها نفخة، فحملت على الفور، ثم اختفى جبريل -عليه السلام-.
ومرت الأيام، وأحست مريم بآلام الحمل، فذهبت إلى مكان بعيد خوفًا من كلام الناس في حقها، وجلست تحت ظل نخلة تفكر في أمرها وما سيكون عليه حالها بعد ولادتها، واقتربت ساعة الولادة، فتمنت أن لو كانت قد ماتت قبل أن يحدث لها ما حدث، ووضعت مريم عيسى -عليه السلام- واحتاجت إلى طعام وشراب حتى تستعيد قوتها ونشاطها، فقد أصابها الضعف بعد الولادة، وفجأة .. سمعت صوتًا يناديها ويأمرها أن تهز جذع النخلة التى تجلس تحتها، وسوف يتساقط عليها الرطب، فتأكل منها حتى تشبع.
وظل هذا الصوت يتكلم، وكأنه يعلم ما يدور في صدر مريم من مخاوف حينما تدخل على أهلها وعلى الناس، وهي تحمل بين ذراعيها طفلاً رضيعًا هي أمه، مع أنها لم تتزوج ولم تعاشر الرجال، فقال لها ذلك الصوت: {فإما ترين من البشر أحدًا فقولي إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًّا} [مريم:24-26] وأخذت تتلفت يمينًا ويسارًا لتتعرف على مصدر الصوت الذي يناديها، لكنها لم تجد أحدًا سوى ابنها الذي ولدته منذ لحظات، فتعجبت من ذلك
تعجبًا شديدًا، وأدركت على الفور أنها أمام معجزة من معجزات الله
العظيمة، ففرحت بابنها فرحًا كبيرًا، وعلمت أن الله سوف يجعل لها بعد هذا الضيق فرجا و مخرجا.
وتوكلت مريم على ربها، وحملت ابنها الصغير عيسى -عليه السلام- عائدة إلى قومها، وبينما هي تسير، رآها قومها من اليهود فتعجبوا من ذلك وأقبلوا عليها لائمين ومعنفين، وقالوا: {يا مريم لقد جئت شيئًا فريًّا . يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمك بغيًّا} [مريم:27-28] فأشارت مريم إلى ابنها الرضيع، فتعجب اليهود من أمرها، فكيف سيكلمون هذا الطفل الرضيع؟! فأنطق الله عز وجل عيسى -عليه السلام- فقال: {إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًّا . وجعلني مباركًا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت
حيًّا . وبرًّا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًّا . والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًّا} [مريم:30-33].
ولم تسلم مريم من إشاعات اليهود واتهاماتهم، ولما خافت على نفسها وولدها من غدر اليهود أخذت ابنها، وسارت به إلى مكان بعيد عن قومها، حتى لا يؤذوه ولما كبرت عادت به مرة أخرى إلى بيت لحم في فلسطين موطن ولادة
عيسى، ولما عاد عيسى -عليه السلام- إلى قومه رأى أنهم قد انحرفوا عن المنهج الذي جاء به موسى من قبل، ومن انحرافهم أنهم كانوا يتحرجون من عمل الخير يوم السبت باعتباره يوم عطلة لا يجوز العمل فيه، فيمر عليهم اليوم دون أن يقدموا عملاً صالحًا يتقربون به إلى الله.
وأقبلوا على حب المال، فسيطر على نفوسهم وتفكيرهم، وأجبر الكهنةُ الفقراء على النذر للمعبد، ليأخذوه لهم مع علمهم أن الفقراء والمحتاجين في أشد الحاجة إليه، وكان بعضهم ينكر يوم القيامة، ويقولون: لا حساب ولا
عقاب في الآخرة، وفئة أخرى طغت عليها الحياة وحب الدنيا، فأخذوا في ابتزاز أموال الناس بأى شكل وبأية حال، فكانت حاجة المجتمع إلى الإصلاح والهداية شديدة، فأرسل الله إليهم المسيح عيسى -عليه السلام- لهدايتهم إلى المنهج الصحيح، فذهب إليهم يدعوهم إلى عبادة الله، وترك ما هم فيه من جهل وضلال.
وأيد الله تعالى عيسى بالمعجزات العظيمة التى تتناسب مع أهل زمانه، لتكون دليلاً على أنه رسول من ربه، فأعطاه الله القدرة على إحياء الموتى، وشفاء المرضى الذين عجز الأطباء والحكماء عن شفائهم، وأعلمه الله بعض الغيب، فكان يعرف ما يأكل الناس وما يدخرون في بيوتهم، فأخذ عيسى -عليه السلام- يدعو قومه إلى الطريق المستقيم، ويبين لهم المعجزات التى أيده الله بها، فقال: {أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين . ومصدقًا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون} [آل عمران: 49-50].
ومع هذه العجائب والمعجزات الخارقة التى جاء بها عيسى إلى بني إسرائيل لم يؤمن به إلا القليل، واستمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم بالإضافة إلى أنهم رموه ب*****، ولم ييأس عيسى -عليه السلام- بل استمر يدعوهم إلى عبادة الله عسى أن يؤمنوا بالله وحده، وطلب عيسى -عليه السلام- من قومه النصرة لدين الله فهدى الله مجموعة من الفقراء والمساكين إلى الإيمان، فكان هؤلاء هم الحواريون الذين اصطفاهم الله؛ ليحملوا دعوة الحق، ويناصروا عيسى، وكان عددهم لا يزيد عن اثني عشر رجلاً.
وذات يوم أمر عيسى -عليه السلام- جميع من معه بصيام ثلاثين
يومًا فصاموا، ولما أتموها طلبوا منه أن يدعو الله أن ينزل عليهم مائدة من
السماء، فنصحهم عيسى أن يتقوا الله في هذا الأمر، فردَّ الحواريون:
{نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} [المائدة:113] ولما رأى عيسى إصرار الحواريين ومن معهم من بني إسرائيل على طلب مائدة من الرحمن، قام إلى مصلاه، يدعو الله قائلاً:
{اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين}_[المائدة:114] فقال عز وجل: {إني
منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من
العالمين} [المائدة:115].
وبعد لحظات، أنزل الله المائدة من السماء، والناس ينظرون إليها وهي تقترب شيئًا فشيئًا، وكلما دنت كان عيسى يسأل ربه عز وجل أن يجعلها بركة وسلامًا لا نقمة وعذابًا، ولم تزل تقترب حتى استقرت أمام عيسى، فسجد عيسى ومن معه لله شاكرين على استجابة طلبهم، ثم كشف عيسى الغطاء عن تلك المائدة، فإذا عليها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين؛ وأكل الحواريون من هذه المائدة، وأكل معهم آلاف الناس الذين جاءوا لعيسى من أجل أن يشفيهم بإذن الله من أمراضهم، وصار يوم نزول هذه المائدة عيدًا للحواريين وأتباع عيسى
لفترة طويلة.
وانتشر خبر عيسى في البلاد، وآمن به كثير من الفقراء والمساكين، فحقد عليه الكهنة والأغنياء من اليهود وكرهوه، وأرادوا التخلص منه، فدبروا له حيلة ماكرة، حيث ذهبوا إلى الحاكم الرومانى وأخبروه بأن عيسى رجل ثائر يحرض الناس عليهم، ويدبر مؤامرة ضد الدولة الرومانية، وظلوا يحرضون الحاكم على عيسى حتى أصدر حكمًا بإعدامه وصلبه، وبحثوا عن عيسى طويلاً
فلم يجدوه، حيث أوحى الله إليه بما دبره اليهود والكفرة، فاختبأ عيسى والحواريون في الجبال يعبدون الله بعيدًا عنهم.
وفي خلال تلك الأحداث قال الله لعيسى: {إني متوفيك ورافعك إليَّ ومطهرك من الذين كفروا} [آل عمران:55] واجتمع الحاكم بكبار رجال الدولة يرافقهم الكفرة من اليهود ليتشاورا في أمر عيسى وأين ذهب وما الذي يجب
صنعه تجاهه؟ وظلوا يبحثون عن نبي الله عيسى في كل مكان ليقتلوه، لكن الله سبحانه حفظه ورعاه ورفعه إلى السماء، وألقى شبهه على رجل منهم، فأخذوه ظنًّا منهم أنه عيسى فصلبوه وقتلوه.
وودَّع عيسى الحواريين، وبشرهم برسول يأتى من بعده يُكْمِلُ ما بدأه، وبه تتم نعمة الله على الخلائق فقال لهم: {يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} [الصف:6] وظن اليهود أن عيسى هو الذي قتل، ففرحوا بذلك، لكن القرآن الكريم يؤكد لنا أنه لم يقتل، وأنه نجا من أيديهم، حيث إن الله -سبحانه- رفعه إليه، قال تعالى:
{وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينًا . بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا} [النساء: 157-158].
وقد أنزل الله -عز وجل- الإنجيل على عيسى، وأمرنا بالإيمان به، قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} [البقرة:136] ولكن أهل الكتاب حرفوا الإنجيل وبدلوا كثيرًا في آياته وأحكامه، وكان عيسى آخر أنبياء بني إسرائيل، ولم يأت من بعده سوى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأخبرنا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أن عيسى -عليه السلام- سوف ينزل إلى الأرض مرة أخرى في نهاية الزمان، ويدعو الناس إلى شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- ويكسر الصليب الذي اتخذه النصارى شعارًا لهم.
قال: (والذي نفسى بيده ليوشكنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم عدلاً، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها) [متفق عليه] وقد ضلَّ النصارى من بعد عيسى حيث اعتقدوا أن عيسى هو ابن الله، كما اعتقد اليهود أن عزيرًا ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، ولقد نفى الله ما قاله هؤلاء الكفرة، قال تعالى:
{إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}
[آل عمران:59] وسوف يحاسبهم الله -عز وجل- على قولهم ذلك، ويعاقبهم عليه عقابًا شديدًا، قال تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة:30].
ويوم القيامة سوف يسأل الله -عز وجل- نبيه عيسى عن ضلال قومه وما فعلوه بعده من تأليههم له وقولهم إنه ابن الله، قال تعالى: {يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} [المائدة:116] فيقول عيسى لربه: {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب . ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كل شيء شهيد . إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة:116-118
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 2008-02-22, 03:05 PM
الصورة الرمزية THE KING
THE KING THE KING غير متواجد حالياً
مراقب
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: اسكندريه
المشاركات: 4,738
THE KING is on a distinguished road
افتراضي

محمد : صلى الله عليه وسلم

في غرب الجزيرة العربية
وفي مكة المكرمة
ولدت : آمنة بنت وهب ( رضي الله عنها
ابنها
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
في الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول
سنة 571 ميلادية

وهو ما يعرف بعام الفيل.
وقد ولد محمد صلى الله عليه وسلم يتيمًا، فقد مات أبوه، وهو لم يزل جنينًا في بطن أمه، فقد خرج عبدالله بن عبدالمطلب إلى تجارة في المدينة
فمات هناك، واعتنى به جده عبدالمطلب، وسماه محمدًا، ولم يكن هذا الاسم مشهورًا ولا منتشرًا بين العرب، وقد أخذته السيدة حليمة السعدية لترضعه في
بني سعد بعيدًا عن مكة؛ فنشأ قوىَّ البنيان، فصيح اللسان، ورأوا الخير والبركة من يوم وجوده بينهم.
وفي البادية، وبينما محمد صلى الله عليه وسلم يلعب مع الغلمان، إذ جاء إليه جبريل -عليه السلام- فأخذه، وشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج منه علقة هي حظ الشيطان منه، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاد القلب إلى مكانه، فأسرع الغلمان إلى حليمة فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو متغير اللون، قال أنس بن مالك: كنت أرى أثر ذلك المخيط في
صدره.[مسلم والحاكم] ولما رأت حليمة السعدية ذلك، أرجعت محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى أمه آمنة، فكان معها تعتني به حتى بلغ السادسة من عمره، وبعدها توفيت، فأخذه جده عبدالمطلب الذي لم يزل يعتني به منذ ولادته، ولما مات جده وهو في الثامنة من عمره، عهد بكفالته إلى عمه أبى طالب..
وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرب الفجار مع أعمامه، وهذه حرب خاضتها قريش مع كنانة ضد قيس عيلان من هوازن دفاعًا عن قداسة الأشهر الحرم ومكانة بيت الله الحرام، كما شهد حلف الفضول الذي ردت فيها قريش لرجل من زبيد حقه الذي سلبه منه العاص بن وائل السهمى، وكان هذا الحلف في دار عبدالله بن جدعان، وقد اتفقت فيه قريش على أن ترد للمظلوم
حقه، وكان لهذين الحدثين أثرهما في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من بين أهل قريش امرأة شريفة تسمى خديجة بنت خويلد، كانت تستأجر الرجال في تجارتها، وقد سمعت بأمانة محمد صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إليه تعرض عليه أن يخرج بتجارتها إلى الشام، وتعطيه أكثر ما تعطى غيره، فوافق
محمد صلى الله عليه وسلم، وخرج مع غلامها ميسرة، وتاجرا وربحا، ولما عادا من التجارة، أخبر ميسرة سيدته خديجة بما لمحمد صلى الله عليه وسلم
من خصائص، وكانت امرأة ذكية، فأرسلت تخطب محمدًا صلى الله
عليه وسلم.
ثم جاء عمه أبو طالب وعمه حمزة وخطباها لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بخديجة، وكانت نعم الزوجة الصالحة، فقد ناصرته في حياتها، وبذلت كل ما تملك في سبيل إعلاء كلمة الله، وقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن تدبيره وحكمته ورجاحة عقله في حل
المشكلات، فقد أعادت قريش بناء الكعبة، وقد اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه، حتى كادت أن تقوم حرب بينهم، وظلوا على ذلك أيامًا، واقترح أبو أمية بن المغيرة تحكيم أول من يدخل من باب المسجد، فكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فأمر بإحضار ثوب، ثم أمر بوضع الحجر في الثوب، وأن تأخذ كل قبيلة طرفًا من الثوب، فرفعوه جميعًا، حتى إذا بلغ الموضع، وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة مكانه، ثم بنى عليه، وكان آنذاك في الخامسة
والثلاثين من عمره.
ولما قربت سن محمد صلى الله عليه وسلم نحو الأربعين، حببت إليه العزلة، فكان يعتزل في غار حراء، يتعبد فيه، ويتأمل هذا الكون الفسيح، وفي يوم من الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد في غار حراء، فجاء جبريل، وقال له: اقرأ.. فقال له محمد صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ. فأخذه جبريل فضمه ضمًّا شديدًا ثم أرسله وقال له: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. فأخذه جبريل ثانية وضمه إليه ضمًّا شديدًا، وقال له: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال له جبريل:
{اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق:1-5] _[متفق عليه].
فكان هذا الحادث هو بداية الوحي، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف مما حدث له، فذهب إلى خديجة وطلب منها أن تغطيه، ثم حكى لها
ما حدث، فطمأنته، وأخبرته أن الله لن يضيعه أبدًا، ثم ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وحكى له ما رأى، فبشره ورقة بأنه نبي هذه الأمة، وتمنى أن لو يعيش حتى ينصره، لكن ورقة مات قبل الرسالة، وانقطع الوحى مدة، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نزل الوحى مرة ثانية، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل قاعدًا على كرسى بين السماء والأرض، فرجع مسرعًا إلى أهله، وهو يقول: زملونى، زملونى (أى غطونى) فأنزل الله تعالى قوله: {يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر . والرجز فاهجر} _[المدثر: 1-5] ثم تتابع الوحى بعد ذلك [البخارى].
وبعد هذه الآيات التى نزلت كانت بداية الرسالة، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الأقربين إلى الإسلام، فكان أول من آمن خديجة زوجته، وأبو بكر صديقه، وعلي بن أبى طالب ابن عمه، وزيد بن حارثه مولاه، ثم تتابع الناس بعد ذلك في دخول الإسلام، وأنزل الله -سبحانه- على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين}_[الشعراء: 214] فكان الأمر من الله أن يجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة، فجمع أقاربه أكثر من مرة، وأعلمهم أنه نبي من عند الله -عز وجل-.
ولما نزل قول الله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} [الحجر: 94] قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنكر عبادة الأصنام، وما عليه الناس من الضلالة، وسمعت قريش بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذتهم الحمية لأصنامهم التى لا تضر ولا تنفع، وحاولوا أن يقفوا ضد هذه الدعوة الجديدة بكل وسيلة، فذهبوا إلى أبى طالب، وطلبوا منه أن يسلم لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فرفض، وكانوا يشوهون صورته للحجاج مخافة أن يدعوهم، وكانوا يسخرون من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن القرآن، ويتهمونه بالجنون والكذب، لكن باءت محاولاتهم بالفشل، فحاول بعضهم تأليف شىء كالقرآن
فلم يستطيعوا، وكانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الإيذاء كى يردوهم عن الإسلام، فكانت النتيجة أن تمسك المسلمون بدينهم أكثر.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بالمسلمين سرًّا في دار
الأرقم بن أبى الأرقم يعلمهم أمور الدين، ثم أمرهم بعد فترة أن يهاجروا إلى الحبشة، فهاجر عدد من المسلمين إلى الحبشة، فأرسلت قريش إلى النجاشى يردهم، لكن الله نصر المسلمين على الكفار؛ فرفض النجاشى أن يسلم المسلمين وظلوا عنده في أمان يعبدون الله عز وجل، وحاول المشركون مساومة أبى طالب مرة بعد مرة بأن يسلم لهم محمدًا إلا أنه أبى إلا أن يقف معه، فحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الله منعه وحفظه.
وفي هذه الأوقات العصيبة أسلم حمزة وعمر بن الخطاب، فكانا منعة وحصنًا للإسلام، ولكن المشركين لم يكفوا عن التفكير في القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما علم أبو طالب بذلك جمع بني هاشم وبني عبدالمطلب واتفقوا على أن يمنعوا الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يصيبه أذى، فوافق بنو هاشم وبنو عبدالمطلب مسلمهم وكافرهم إلا أبا لهب، فإنه كان مع قريش، فاتفقت قريش على مقاطعة المسلمين ومعهم بنو هاشم وبنو عبدالمطلب، فكان الحصار في شعب أبى طالب ثلاث سنوات، لا يتاجرون معهم، ولا يتزوجون منهم، ولا يجالسونهم ولا يكلمونهم، حتى قام بعض العقلاء، ونادوا في قريش أن ينقضوا الصحيفة التى كتبوها، وأن يعيدوا العلاقة مع بني هاشم وبني عبدالمطلب، فوجدوا الأرضة أكلتها إلا ما فيها من اسم الله.
وتراكمت الأحزان فيما بعد لوفاة أبى طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوجه خديجة بنت خويلد، فقد ازداد اضطهاد وتعذيب المشركين، وفكَّر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج من مكة إلى الطائف يدعو أهلها إلى الإسلام، إلا أنهم كانوا أشرارًا، فأهانوا النبي صلى الله عليه وسلم وزيد ابن حارثة الذي
كان معه، وأثناء عودته بعث الله -عز وجل- إليه نفرًا من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم، فآمنوا.
وأراد الله -سبحانه- أن يخفف عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت رحلة الإسراء والمعراج، والتى فرضت فيها الصلاة، خمس صلوات في اليوم والليلة واطمأنت نفس النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الرحلة، ليبدأ من جديد الدعوة إلى الله، وقد علم أن الله معه لن يتركه ولا ينساه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في موسم الحج يدعو الناس إلى الإيمان بالله وأنه رسول الله، فآمن له في السنة العاشرة من النبوة عدد قليل، ولما كانت السنة الحادية عشرة من النبوة أسلم ستة أشخاص من يثرب كلهم من الخزرج، وهم حلفاء اليهود، وقد كانوا سمعوا من اليهود بخروج نبي في هذا الزمان، فرجعوا إلى أهليهم، وأذاعوا الخبر بينهم.
وعادوا العام القادم وهم اثنا عشر رجلاً، فيهم خمسة ممن حضر العام الماضى وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت هذه البيعة ببيعة العقبة الأولى فرجعوا وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير ليعلمهم أمور دينهم، وقد نجح مصعب بن عمير نجاحًا باهرًا، فقد استطاع أن يدعوا كبار المدينة من الأوس والخزرج، حتى آمن عدد كبير منهم، وفي السنة الثالثة عشرة من النبوة، جاء بضع وسبعون نفسًا من أهل يثرب في موسم الحج، والتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه بيعة العقبة الثانية، وتم الاتفاق على نصرة الإسلام والهجرة إلى المدينة.
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها الصحابة أن يهاجروا إلى يثرب، فهاجر من قدر من المسلمين إلى المدينة، وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلى وبعض الضعفاء ممن لا يستطيعون الهجرة، وسمعت قريش بهجرة المسلمين إلى يثرب، وأيقنت أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لابد أن يهاجر، فاجتمعوا في دار الندوة لمحاولة القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الله -سبحانه- نجَّاه من مكرهم، وهاجر هو وأبو بكر بعد أن جعل عليًّا مكانه ليرد الأمانات إلى أهلها.
وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر إلى المدينة، واستقبلهما أهل المدينة بالترحاب والإنشاد، لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الدعوة، وهي المرحلة المدنية، بعد أن انتهت المرحلة المكية، وقد وصل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الجمعة (12 ربيع الأول سنة 1هـ/ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م) ونزل في بني النجار، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأسيس دولة الإسلام في المدينة، فكان أول ما صنعه أن بنى المسجد النبوى، ليكون دار العبادة للمسلمين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، كما كتب الرسول صلى الله عليه وسلم معاهدة مع اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة.
وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتنى ببناء المجتمع داخليًّا، كى يكون صفًّا واحدًا يدافع عن الدولة الناشئة، ولكن المشركين بمكة لم تهدأ ثورتهم، فقد أرسلوا إلى المهاجرين أنهم سيأتونهم كى يقتلوهم، فكان لابد من الدفاع، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عددًا من السرايا، كان الغرض منها التعرف على الطرق المحيطة بالمدينة، والمسالك المؤدية إلى مكة، وعقد المعاهدات مع القبائل المجاورة وإشعار كل من مشركى يثرب واليهود وعرب البادية والقرشيين أن الإسلام قد أصبح قويًّا.
وكانت من أهم السرايا التى بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر سرية سيف البحر، وسرية رابغ، وسرية الخرار، وسرية الأبواء، وسرية نخلة، وفي شهر شعبان من السنة الثانية الهجرية فرض الله القتال على المسلمين، فنزلت آيات توضح لهم أهمية الجهاد ضد أعداء الإسلام، وفي هذه الأيام أمر الله -سبحانه- رسوله صلى الله عليه وسلم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى
المسجد الحرام، وكان هذا إيذانًا ببدء مرحلة جديدة في حياة المسلمين
خاصة، والبشرية عامة.
بعد فرض الجهاد على المسلمين، وتحرش المشركين بهم، كان لابد من القتال فكانت عدة لقاءات عسكرية بين المسلمين والمشركين، أهمها: غزوة بدر الكبرى في العام الثانى الهجرى، وكانت قريش قد خرجت بقافلة تجارية كبيرة على رأسها أبو سفيان بن حرب، وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً لقصد هذه القافلة، لكن أبا سفيان كان يتحسس الخبر فأرسل رجلا إلى قريش يعلمهم بما حدث، ثم نجح هو بعد ذلك في الإفلات بالعير والتجارة، واستعدت قريش للخروج، فخرج ألف وثلاثمائة رجل، وأرسل أبو سفيان إلى قريش أنه قد أفلت بالعير، إلا أن أبا جهل أصر على القتال، فرجع بنو زهرة وكانوا ثلاثمائة رجل، واتجه المشركون ناحية بدر، وكان المسلمون قد سبقوهم إليها بعد استطلاعات واستكشافات.
وبدأت الحرب بالمبارزة بين رجال من المشركين ورجال من المهاجرين، قُتِل فيها المشركون، وبدأت المعركة، وكتب الله -عز وجل- للمسلمين فيها النصر وللكفار الهزيمة، وقد قتل المسلمون فيها عددًا كبيرًا، كما أسروا آخرين، وبعد غزوة بدر علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن بني سليم من قبائل غطفان تحشد قواتها لغزو المدينة، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتى رجل وهاجمهم في عقر دارهم، ففروا بعد أن تركوا خمسمائة بعير استولى عليها المسلمون، وكانت هذه الغزوة في شوال (2هـ) بعد بدر بسبعة أيام، وعرفت بغزوة بني سليم.
ورأت اليهود في المدينة نصر الرسول صلى الله عليه وسلم فاغتاظوا لذلك، فكانوا يثيرون القلاقل، وكان أشدهم عداوة بنو قينقاع، فجمع الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود بالمدينة ونصحهم وعرض عليهم الإسلام، إلا أنهم أبدوا استعدادهم لقتال المسلمين، فكظم الرسول صلى الله عليه وسلم غيظه، حتى تسبب رجل من بني قينقاع في كشف عورة امرأة، فقتله أحد المسلمين، فقتل اليهود المسلم فحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع، ثم أجلاهم عن المدينة بسبب إلحاح عبدالله بن أبى بن سلول.
وفي ذي الحجة سنة (2هـ) خرج أبو سفيان في نفر إلى المدينة، فأحرق بعض أسوار من النخيل، وقتلوا رجلين، وفروا هاربين، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في أثرهم، إلا أنهم ألقوا ما معهم من متاع حتى استطاعوا الإسراع بالفرار وعرفت هذه الغزوة بغزوة السويق، كما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن نفرًا من بني ثعلبة ومحارب تجمعوا يريدون الإغارة على المدينة، فخرج لهم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى المكان الذي تجمعوا فيه، وكان يسمى بـ(ذي أمر) ففروا هاربين إلى رءوس الجبال، وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم شهرًا ليرهب الأعراب بقوة المسلمين، وكانت هذه الغزوة في أوائل صفر
سنة (3هـ).
وفي جمادى الآخرة سنة (3هـ) خرجت قافلة لقريش بقيادة صفوان بن أمية ومع أن القافلة اتخذت طريقًا صعبًا لا يعرف، إلا أن النبأ قد وصل إلى المدينة وخرجت سرية بقيادة زيد بن حارثة، استولت على القافلة وما فيها من متاع، وفر صفوان بن أمية ومن معه، اغتاظ كفار مكة مما حدث لهم في غزوة بدر، فاجتمعوا على الاستعداد لقتال المسلمين، وقد جعلوا القافلة التى نجا بها أبوسفيان لتمويل الجيش واستعدت النساء المشركات للخروج مع الجيش لتحميس الرجال، وقد طارت الأخبار إلى المدينة باستعداد المشركين للقتال، فاستشار الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة، وأشار عليهم -بدءًا- أن يبقوا في المدينة، فإن عسكر
المشركون خارجها، فإنهم لن ينالوا منهم شيئًا، وإن غزوا المدينة، قاتلوهم قتالاً شديدًا.
إلا أن بعض الصحابة ممن لم يخرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم للقتال في بدر، أشاروا على الرسول صلى الله عليه وسلم الخروج من المدينة، وكان على رأس المتحمسين للخروج حمزة بن عبدالمطلب، ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس الحرب، وخرج الجيش وفيه ألف مقاتل، واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانًا قريبًا من العدو عند جبل أحد، وما كاد وقت المعركة أن يبدأ حتى تراجع عبدالله بن أبى سلول بثلث الجيش، بزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أكره على الخروج، وما أراد بفعلته إلا بث الزعزعة في صفوف المسلمين، وبقى من الجيش سبعمائة مقاتل، وكان عدد المشركين ثلاثة
آلاف مقاتل.
واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم مكانًا متميزًا في المعركة، وجعل بعض المقاتلين في الجبل، وهو ما عرف فيما بعد بجبل الرماة، وأمّر عليهم عبدالله بن جبير وأمرهم أن يحموا ظهور المسلمين، وألا ينزلوا مهما كان الأمر، سواء انتصر المسلمون أم انهزموا، إلا إذا بعث إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بدأت المبارزة بين الفريقين، وقتل فيها المسلمون عددًا من المشركين، وكان معظمهم ممن كانوا يحملون لواء المشركين، حتى ألقى اللواء على الأرض، واستبسل المسلمون وقاتلوا قتالا شديدًا، واستبسل من كانوا على الجبل.
إلا أنهم لما رأوا المسلمين يجمعون الغنائم نزلوا، فذكرهم قائدهم عبدالله بن جبير إلا أنهم لم يسمعوا له، ولاحظ خالد بن الوليد، فرجع بمن كان معه، وطوق جيش المسلمين، واضطربت الصفوف، وقتل المشركون من المسلمين سبعين رجلاً واقتربوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أصيب ببعض
الإصابات، والذي حاول المشركون قتله لولا بسالة بعض الصحابة ممن
دافع عنه، وقد أشيع قتل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم انتشر بين المسلمين كذب الخبر، فتجمعوا حوله صلى الله
عليه وسلم، واستطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخترق طريقًا وينجو
بمن معه، وصعدوا الجبل، وحاول المشركون قتالهم، إلا أنهم لم يستطيعوا، فرجعوا وخشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع المشركون، فخرج بمن كان معه في غزوة أحد فحسب، ولم يقبل غيرهم إلا عبدالله بن جابر فقد قبل
عذره.
وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة حتى وصلوا إلى حمراء الأسد، وقد أقبل معبد بن أبى معبد الخزاعي وأسلم، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بمخادعة أبى سفيان إن كان قد أراد الرجوع لحرب المسلمين، وفي طريق العودة اتفق المشركون على الرجوع، فقابلهم معبد بن أبى معبد الخزاعي، ولم يكن أبو سفيان قد علم بإسلامه، فقال له: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد جمع جيشًا كبيرًا لقتالكم، كى يستأصلكم، فارجعوا، وأحدثت هذه الكلمات زعزعة في صفوف المشركين.
وبعد غزوة أحد، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض السرايا لتأديب من يريد أن يعتدي على المسلمين، كسرية أبى سلمة في هلال شهر المحرم سنة (4هـ) إلى بني أسد بن خزيمة، وبعث عبدالله بن أنيس لخالد بن سفيان الذي أراد حرب المسلمين، فأتى عبدالله بن أنيس برأسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعث الرجيع قتل بعض الصحابة، وفي السنة نفسها، بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة لأهل نجد، ليدعوهم إلى الإسلام، وفي الطريق عند بئر معونة
أحاط كثير من المشركين بالمسلمين، وقتلوا سبعين من الصحابة، ولما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الخبر، حزن حزنًا شديدًا، ودعا على المشركين.
وكانت يهود بني النضير يراقبون الموقف، ويستغلون أى فرصة لإشعال الفتنة وكان بعض الصحابة قد قتلوا اثنين خطأ معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من بنود الميثاق بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين اليهود، أن يساعد كل من الطرفين الآخر في دفع الدية، فلما ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم حاولوا قتله، إلا أن الله سبحانه حفظه وأرسل إليه جبريل، يخبره بما يريدون، فبعث إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا، ولكن عبدالله بن أبى وعدهم بالمساعدة، فرفضوا الخروج، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة أيام، وبعدها قرروا الخروج على أن يأخذوا متاعهم، واستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحهم، فأخذه، وأخذ أرضهم وديارهم، فتفرق يهود بني النضير في الجزيرة.
وفي شعبان من العام الرابع الهجري خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في ألف وخمسمائة من أصحابه، لملاقاة أبى سفيان والمشركين، كما اتفقوا في غزوة أحد إلا أن أبا سفيان خاف، فتراجع هو وجيشه خوفًا من المسلمين، ويسمى هذا الحادث بغزوة بدر الصغرى أو بدر الآخرة، وطارت الأنباء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن القبائل حول دومة الجندل تحشد جيشًا لقتال المسلمين، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش من أصحابه، وفاجأهم، ففروا هاربين وكان ذلك في أواخر ربيع الأول سنة (5هـ) وبذا فقد استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصد كل عدوان، حتى يتسنى له الأمر لتبليغ دعوة الله.
ولم تنس اليهود تلك الهزائم التى لحقت بها، لكنها لا تستطيع مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذت يهود بني النضير يألبون المشركين في مكة وغيرها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى اجتمع عشرة آلاف مقاتل، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فاستشار الصحابة، فأشار عليه سلمان الفارسى بحفر خندق، فحفر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الخندق شمال المدينة، لأنه الجهة الوحيدة التى يمكن أن يأتى الأعداء منها.
وذهب زعيم بني النضير حيى بن أخطب إلى زعيم بني قينقاع المتحالفة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعله ينقض العهد، إلا أن الله حمى المسلمين وحفظهم فقد أسلم نعيم بن مسعود الذي أوقع الدسيسة بين اليهود وقريش، وجعل كلا منهم يتشكك في الآخر، وأرسل الله عليهم ريحًا شديدة دمرت خيامهم، وأطفأت نيرانهم؛ فاضطروا إلى الرحيل والفرار، وقال بعدها الرسول صلى الله عليه
وسلم: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا) وسميت هذه الغزوة بغزوة الخندق أو
الأحزاب، وكانت في العام الخامس الهجرى.
وقبل أن يخلع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ملابس الحرب، جاءه جبريل، وأمره بأن يذهب لغزو بني قريظة هو وأصحابه، فتحرك الجيش الإسلامى وكان عدده ثلاثة آلاف مقاتل وحاصر الرسول صلى الله عليه وسلم بني قريظة فعرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث اقتراحات؛ إما أن يسلموا فيأمنوا على أنفسهم، وإما أن يقتلوا ذراريهم ونساءهم، ثم يخرجوا لقتال المسلمين، وإما أن يهجموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم السبت؛ لكنهم لم يجيبوه إلى شىء من ذلك.
ولم يبق لهم بعد الرفض إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثوا إلى أبى لبابة بن المنذر-وكان من حلفائهم قبل إسلامه- ليخبرهم عن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى أبو لبابة بني قريظة رق قلبه إليهم، وأشار إليهم بيده إلى حلقه كناية عن القتل، وعلم أبو لبابة أنه خان الله ورسوله، فذهب إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وربط نفسه، وأقسم ألا يفكه أحد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.
ونزلت اليهود على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق أن يحكم فيهم سعد بن معاذ، فحكم سعد بأن يقتل الرجال، وتسبى النساء والذراري، وكان هذا حكم الله فيهم، وكانت الغزوة في ذي القعدة من العام
الخامس الهجرى، وبعد غزوة بني قريظة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الأنصار قتلوا سلام بن أبى الحقيق، وذلك أنه كان من اليهود الذين أثاروا الأحزاب ضد المسلمين.
وفي شعبان من العام السادس الهجري علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زعيم بني المصطلق جمع قومه ومن قدر عليه من العرب لقتال المسلمين، فتأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخبر، وخرج في عدد من الصحابة، حتى وصل ماء المريسيع، ففر المشركون، واستولى المسلمون على
أموالهم وذراريهم، وفي هذه الغزوة كانت حادثة الإفك التى افتُرى فيها على السيدة عائشة، واتهمت بالخيانة، فأنزل الله -سبحانه- براءتها في قرآن يتلى إلى يوم القيامة.
وقد أراد المنافقون أن يدسوا الفتنة بين المسلمين بعد الانتهاء من الحرب، فقال عبدالله بن أبي: ليخرجن الأعز منها الأذل (يعنى الأعز هو، والأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقام ابنه عبدالله بن عبدالله بن أبى بالاعتذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومنع أباه من دخول المدينة، وقال له: رسول الله هو الأعز وأنت الأذل.
وفي هذا العام السادس من الهجرة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا فكانت بشرى من الله، بفتح مكة فيما بعد، واستعد الرسول صلى الله عليه وسلم للعمرة وخرج معه عدد كبير من المسلمين، ولما سمعت بذلك قريش، استعدت للحرب وساق الرسول صلى الله عليه وسلم الهدي؛ دلالة على عدم نية الحرب، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، ليرى رأي قريش.
واحتجزت قريش عثمان فترة، وأشيع نبأ قتله، وبايع الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، وظلت المراسلات بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين قريش، انتهت بأن أرسلت قريش سهيل بن عمرو ليعقد صلح الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من ضمن بنوده وقف الحرب بين الفريقين عشر سنين، وللقبائل أن تدخل في حلف النبي صلى الله عليه وسلم، أو في حلف قريش، وأنه من فر من المسلمين إلى قريش لا ترده قريش، ومن فر من قريش إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يرده الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومع أن الظاهر في بعض بنود هذه المعاهدة الظلم، إلا أنها أتاحت الفرصة لانتشار الإسلام، واعتراف قريش بالمسلمين كقوة، فدخل عدد كبير الإسلام.. بعد هذه الهدنة، أسلم بعض أبطال قريش؛ كعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأمراء والملوك يدعوهم إلى الإسلام، ليعلن أن الإسلام جاء للناس جميعًا، وليس مقصورًا على شبة الجزيرة العربية.
وبعد صلح الحديبية قامت بعض الغزوات؛ كغزوة ذي قرد، وكانت ردًّا على بعض بني فزارة الذين أرادوا القيام بعمل القرصنة ضد المسلمين، وقد أبلى فيها سلمة بن الأكوع بلاءً حسنًا، وبعد تلك الانتصارات التى قام بها المسلمون كان لابد من تأديب من كان السبب في كثير من الحروب، وهم يهود خيبر، أولئك الذين جمعوا الأحزاب ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن بايع معه تحت الشجرة، وكانوا ألفًا وأربعمائة، حتى وصلوا قرب خيبر، وقد كانت كلها حصونًا، ففيها ثمانية حصون كبيرة منيعة واستبسل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى منَّ الله عليهم بفتح هذه الحصون، وأصبح اليهود صاغرين، وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبقى لهم الأرض ليزرعوها على أن يكون لهم نصف الثمار، وللمسلمين نصفها، وكانت غزوة خيبر في العام السابع الهجرى.
وبعد هذه الغزوة جاء جعفر بن أبى طالب ومن معه من الحبشة إلى المدينة، وفرح الرسول صلى الله عليه وسلم بعودتهم، كما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيى بن أخطب بعد أن أسلمت، وقد كانت من السبى، وبعد خيبر صالح يهود فدك الرسول صلى الله عليه وسلم كما صالحه أهل خيبر، كما حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض اليهود ومن انضم إليهم من العرب عند وادي القرى، وفتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقسم الغنائم على أصحابه، أما النخل والأرض فقد عاملهم كما عامل أهل خيبر، ولما علم يهود تيماء بذلك بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكتب لهم كتابًا، يدفعون بمقتضاه الجزية للمسلمين وبعد هذه الحروب والانتصارات رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
وبعد أن أدَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنافقين واليهود، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع حتى استطاع تأديب الأعراب، وكان لهذه الغزوة أثرها في قذف الرعب في قلوب الأعراب، وبذا استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقضى على الأحزاب، ليتفرغ لنشر الدعوة الإسلامية، وكانت هذه الغزوة في العام السابع الهجرى..
وفي ذي القعدة من السنة السابعة من الهجرة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى مكة لأداء عمرة القضاء، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى عظيم بصرى، فعرض له
شرحبيل بن عمرو الغسانى عامل البلقاء من أرض الشام، من قبل قيصر، فأمسك الحارث، وأوثقه ثم قتله، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة بالخروج لتأديب هؤلاء، فخرج ثلاثة آلاف مقاتل، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الراية لزيد ثم لجعفر إن قتل، ثم لعبد الله بن رواحة، واتجه الجيش ناحية
العدو حتى وصل إلى مكان يقال له (مؤتة) وفوجئ الجيش بأن جيش العدو عدده مائتا ألف مقاتل مقابل ثلاثة آلاف واستقر الأمر على الجهاد.
وقاتل المسلمون واستبسلوا، فقتل القائد زيد بن حارثة، ثم قتل جعفر ثم قتل ابن رواحة بعد قتال عنيف، ثم اتفق أن تكون الراية لخالد بن الوليد الذي استطاع إنقاذ الجيش، وإرهاب الأعداء مع كثرة عددهم، ففي اليوم الثانى للقتال غير تنظيم الجيش، حتى ظن الروم أن المسلمين جاءهم مدد، فلم يلاحقوهم، بينما انسحب خالد بالجيش بمهارة كبيرة، ولم يقتل في هذه الغزوة إلا اثنا عشر رجلاً من المسلمين، وكانت في العام الثامن الهجرى.
وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعض القبائل العربية قد انضمت إلى الرومان، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في جيش لتأديبهم، فلما ذهب عمرو ورأى كثرة عدد المشركين أرسل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب مددًا، فبعث إليه بأبي عبيدة في مائتى رجل، واستطاع المسلمون هزيمة تلك القبائل، وعرفت هذه الحرب بسريَّة ذات السلاسل، وكانت بعد غزوة مؤتة في جمادى الآخرة في العام الثامن الهجرى.
وحدث أن اعتدت بنو بكر -وكانت قد دخلت في حلف قريش حسب اتفاق الحديبية- على خزاعة التى دخلت في حلف النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنصره، فقال له النبى: (نصرت يا عمرو بن سالم) وعلمت قريش أنها نقضت العهد، فذهب
أبو سفيان إلى المدينة ليسترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه رجع دون فائدة، وتجهز الرسول صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف مقاتل من الصحابة لغزو مكة دون أن تعلم قريش بذلك، وفي هذه الأثناء أسلم أبو سفيان، ولما قرب الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة كان أبو سفيان قد رجع
ليخبر القوم.
ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة منتصرين فاتحين، واتجه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة خلفه ناحية المسجد الحرام، فاستلم الرسول صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود وطاف بالبيت، وهدم الأصنام التى كانت حول الكعبة، ثم نادى عثمان بن طلحة وأخذ منه مفتاح الكعبة فدخلها فوجد فيها صورًا فمحاها، وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم في قريش، ثم قال لهم: ما ترون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. فقال: فإنى أقول لكم كما قال يوسف لإخوته {لا تثريب عليكم اليوم} اذهبوا فأنتم الطلقاء.
ثم رد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وكان قد حان وقت الصلاة، فأمر بلال أن يصعد الكعبة، فصعدها وأذن، وأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دم بعض من أكابر المجرمين الذين عذبوا المسلمين وآذوهم، فقتل بعضهم وأسلم بعضهم، ثم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم البيعة ممن أسلم من الرجال، ثم أخذ البيعة من النساء، وأقام الرسول تسعة عشر يومًا في مكة يجدد معالم الإسلام فيها، وبعث نفرًا من أصحابه لهدم الأصنام التى كان منتشرة في مكة، وقد كان فتح مكة في العام الثامن من الهجرة.
وقد كان فتح مكة مرحلة فاصلة في تاريخ الإسلام، فقد كان لقريش مكانة عظيمة بين القبائل العربية، فلما رأت القبائل قريشا دخلت الإسلام، أسرعت القبائل تدخل في دين الله أفواجًا، ولكن مسيرة الجهاد لم تقف، فلقد أبت بعض القبائل العربية أن تدخل الدين الجديد، وألا تستسلم كما استسلمت القبائل الأخرى، وكان من بين هذه القبائل هوازن وثقيف، وانضمت بعض القبائل الأخرى تحت قيادة مالك بن عوف، وخرج الجيش الإسلامى ناحية (حنين) وكان مالك بن عوف قد سبقهم إليها، ووزَّع الجيش في الوادي، ولما نزل المسلمون الوادي رشقهم العدو بالنبال، حتى تقهقرت كتائب المسلمين، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع شمل المسلمين الفارين وأعاد للجيش انتظامه، وحاربوا العدو، ونصرهم الله عليهم وغنموا غنائم كثيرة، وتفرق العدو إلى الطائف ونخلة وأوطاس.. وغير ذلك من الأماكن، وقد كانت هذه الغزوة في شوال من العام الثامن الهجري.
وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أن معظم جيش هوازن وثقيف دخلوا الطائف، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر شوال وحاصرهم حصارًا شديدًا عدة أيام، وبعدها رفع الرسول صلى الله عليه وسلم الحصار عنهم فقال له بعض الصحابة: يا رسول الله، ادع على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفًا وائت بهم، وقسم الرسول صلى الله عليه وسلم الغنائم، وبعد تقسيم الغنائم جاء وفد هوازن مسلمين، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم غنائمهم، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة رد الغنائم لوفد هوازن، فاستجابوا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بعدها اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى المدينة.
وفي العام التاسع من الهجرة، سمع الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرومان تستعد للقاء المسلمين، وقد تجمع معها بعض القبائل العربية من النصارى، فأعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خارج لقتال الروم، ودعا إلى الجهاد والإنفاق، وأنفق الصحابة من أموالهم الكثير، ولم يتخلف عن هذه الغزوة إلا المنافقون وثلاثة من المؤمنين، وقد كان هذا الوقت شديد الحر، إلا أن المسلمين جاهدوا أنفسهم في الخروج للجهاد، ولم يكف الزاد، وسمي هذا الجيش بجيش العسرة، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب من العام التاسع الهجري تجاه تبوك، حتى وصل إليها وعسكر فيها خمسين يومًا.
ولما سمع الروم به خافوا، فلم يخرجوا لقتال المسلمين، وجاء إليه بعض الرومان واصطلحوا معه على دفع الجزية، وانتشر الخبر في الجزيرة العربية، فازداد الإسلام قوة إلى قوته، ورجعت إليه القبائل التى كانت تنوى الاحتماء بالرومان، وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان من هذه السنة مظفرًا منتصرًا، وفي هذه السنة توفي النجاشى ملك الحبشة، وصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب، كما توفيت أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم ومات رأس المنافقين عبدالله بن أبى بن سلول.
وفي ذي الحجة من العام التاسع الهجري بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرًا على الحج، فحج بالمسلمين، ودخل الناس في الإسلام أفواجًا، فأتت القبائل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم متتالية متتابعة معلنة إسلامها لله، وفي
ذي الحجة من العام العاشر الهجري خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة وحج بالناس حجة الوداع، بعد أن أعلمهم أمور الدين، وخطب فيهم خطبة وضع فيها الأسس التى يسيرون عليها في حياتهم استكمالا للرسالة التى جاء بها إلى الناس.
وفي أوائل صفر من العام الحادي عشر الهجري خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد، وصلى على الشهداء كأنه يودعهم، وفي ليلة من الليالى خرج إلى البقيع فاستغفر للموتى، ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما اشتد عليه المرض أمر أبا بكر أن يصلى بالناس، وفي هذه الأيام كان الرسول يخرج للناس إذا وجد خفة في نفسه، فخرج إليهم ذات مرة، فوعظهم وذكرهم، وألمح بأن أجله قد اقترب، ولم يفهم ذلك من الصحابة إلا أبو بكر، وقبل أن يتوفى النبي صلى الله عليه وسلم بيوم أعتق غلمانه، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده.
وفي اليوم الأخير من مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وفي فجر يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من العام الحادي عشر من الهجرة كان الرسول صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة، فرفع الستار ورأى المسلمين يصلون الفجر، فتبسم وفي وقت الضحى صعدت الروح الطاهرة الزكية إلى ربها بعدما أدت ما عليها فحزن الصحابة -رضوان الله عليهم- حزنًا شديدًا لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وغسلوا الجسد الشريف ليلة الثلاثاء من غير أن يجردوا الرسول صلى الله عليه وسلم من الثياب، وحُفر قبره صلى الله عليه وسلم في حجرته، ودخل الناس جماعات يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ،
بعد ما أدى ما عليه من أمانة الله
فصلوات الله وسلامه عليه
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 2008-04-12, 10:40 AM
yourdream yourdream غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 14
yourdream is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا على المجهود الرائع
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 2008-04-13, 02:34 PM
الصورة الرمزية THE KING
THE KING THE KING غير متواجد حالياً
مراقب
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: اسكندريه
المشاركات: 4,738
THE KING is on a distinguished road
افتراضي

تسلم على المرور وفى وجزانى الله وجزاك الف خير ...
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 2008-04-16, 03:01 PM
المنشد احمد شريف المنشد احمد شريف غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
المشاركات: 38
المنشد احمد شريف is on a distinguished road
افتراضي

مشكور اخى على هذة السيرة الجميلة
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 2008-04-17, 01:07 PM
الصورة الرمزية THE KING
THE KING THE KING غير متواجد حالياً
مراقب
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: اسكندريه
المشاركات: 4,738
THE KING is on a distinguished road
افتراضي

تسلم اخى على المرور
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 2008-06-20, 11:05 PM
الكينج 2010 الكينج 2010 غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
الدولة: بيت الرعب
المشاركات: 21
الكينج 2010 is on a distinguished road
افتراضي

رائع جدا جدا جدا
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جميع قصص الأنبياء (كامله) حصريا على الماجيك karmen منتدى نور الإيمان 21 2019-11-05 09:19 PM
إستمع إلى قصص الأنبياء والغزوات والصحابه بضغطة زر واحده حصريا على الماجيك karmen منتدى الصوتيات والمرئيات الإسلامية 4 2009-09-26 01:49 AM


الساعة الآن 09:53 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By World 4Arab
www.q8-one.com