عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2009-02-23, 10:03 PM
الصورة الرمزية radwan
radwan radwan غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: مصر ام الدنيا
المشاركات: 1,682
radwan is on a distinguished road
افتراضي

البحث عن المستحيل

أخضع موشيه لتدريبات الاستطلاع الجوي، بعدما تقلد رتبة رائد طيار في سلاح الجو الاسرائيلي. وفي آخر يناير 1973 طار بطائرته الـ سكاي هوك باتجاه الجبهة السورية، فأسقطته مدفعية السوريين في أول طلعة استطلاع له، واعتبر مفقوداً منذ تلك اللحظة لأن سوريا لم تعلن عن أسر الطيار الاسرائيلي كما كان يحدث، لكنها أعلنت بأن الطائرة انفجرت في الجو وقائدها بداخلها.
لم تصدق أمينة الخبر، ولأيام طويلة تصرخ صرخات هستيرية لا تتوقف. وفي عيادة "كوبات حوليم هستدروت" للأعصاب في ريشون لتسيون، احتبس صوتها، أو لنقل إن صدمة الفاجعة ألجمت لسانها فصمتت.
وقبعت خلف زجاج حجرتها تنظر الى السماء، تزوغ نظراتها أحياناً، وأحياناً أخرى تتبع العصافير في طيرانها ولهوها.
وبعد شهر ونصف تكلمت، ونطقت قائلة بأنها تشكك في البيان السوري، وبأن موشيه ما يزال حياً، متخفياً بين الحشائش والمغارات. فهوي طيار ماهر وقدراته عالية جداً.
وفي منزلها - وكانت برفقتها إحدى الأخصائيات النفسيات – كانت تحدث نفسها نهاراً بصوت مسموع، وفي الليل يسمع لها أنين خافت مليء بالوجع، هو مزيج متهالك من مشاعر الحسرة والضياع.
لقد صبت جام غضبها على العرب الذين أرهقوها في الأردن، وطاردوها في النمسا، وضيعوا حلمها في الاستقرار بإسرائيل.
إنهم آفة مستقبلها المظلم الآن، وسبب نكبتها وفجيعتها في زوجها الشاعري المهذب. ولأنهم هدموا حياتها كلها، تمنت لو أنها تستطيع الانتقام، فها هي وحيدة يائسة بين أناس لا تعرفهم، بل وتجهل لغتهم العبرية وعاداتهم وطقوسهم. وعمداً تناست أنها هي التي دفعت بحياتها الى مستنقع الهاوية، عندما تزوجت من يهودي، ودفعته للهجرة الى إسرائيل خوفاً على حياتها، فقذفت به الى مصير مجهول، مماثل لمصيرها.
وقبلما يحطمها الانتظار ويعتريها الجنون، تقدمت بطلب الى السلطات المختصة للسماح لها بالسفر الى بيروت ودمشق لتقصي أخبار زوجها.
وما هي إلا أيام قليل حتى طارت بجواز سفرها الاسرائيلي الى فيينا، فالتقت بأسرة موشيه الحزينة، ومكثت بينهم عدة أيام حاولت خلالها أن تتنسم عبير ****** المفقود، لكنها أحست بأن عبيره أشد كثافة ووقعاً بأطراف العاصمة. وفي الشقة التي شهدت أروع ذكرياتها، أطلقت شهقات حزنها ولوعتها وحيدة تلثم المقاعد والستائر والوسائد، وتطوف بين حجراتها تنادي موشيه وتتحسس كتبه واسطواناته وأحذيته.
مجنونة تلك المرأة الملتاعة، التي لفظتها أرجوحة الثمالة الى جب الهاوية، فدوت صرخاتها تتردد في الأعماق لهفى الى الضياء والأمان، ويبث الصدى في شقوقه ألم الإنسان وظلمه لنفسه.
وبصعوبة شديدة، استطاعت سارة إقناعها بأن تغاد الشقة، وحملت أمينة حقائب حزنها وتوجهت الى المطار. وبجواز سفرها الأردني طارت على أول رحلة الى بيروت.
وشارع الحمراء – أشهر شوارع بيروت - نزلت بأحد الفنادق. وفي رحلة تجوالها تعرفت على سيدة لبنانية - أردنية الأصل - تدعى خديجة زهران، تمتلك وتدير محلاً للملابس الجاهزة، فاشترت منها ملابس بمبلغ كبير لتتقرب اليها، ودلتها خديجة على شقة صغيرة بحي عين الرمانة، انطلقت منها للبحث عن زوجها، وتسقط أخباره من الفلسطينيين ذوي الكثافة بالحي. وبعد رحلات عديدة بين بيروت ودمشق، فشلت أمينة في الوصول الى ما يطمئنها، وتأكد لديها أن موشيه قتل لا محالة. وغادرت بيروت الى فيينا تنخر بعقلها أحزان تقترب بها الى حافة الجنون، وتخنقها عبرات الأسى والغربة، والفزع.
__________________
افضل 15 مشارك


رد مع اقتباس