سجلت القروض الشخصية من البنوك السعودية ارتفاعات متتالية*في السنوات الأخيرة لترتفع بمعدل وسطي إلى نسبة 21% في العام، ولتصل في نهاية الفصل الأول من العام الجاري إلى نحو 342 مليار ريال (91.2 مليار دولار)، وما يؤرق الاقتصاديين أن هذه القروض الضخمة تكون في الغالب لأغراض استهلاكية، وليست لأهداف استثمارية.
وأبدى عدد من المتخصصين في الاقتصاد بالسعودية*قلقهم*حيال ارتفاع مؤشر القروض، وحذروا* من خطرها على الاقتصاد، خاصة إذا لم يتم توجيه القرض إلى السلع المعمرة أو أصول استثمارية.
وإزاء الأمر، اعتبر الاقتصادي والمصرفي*السعودي فضل البوعينين أن النسبة مرتفعة ونمو القروض أصبح مقلقا،*خاصة أنه لا يعكس الحاجة إلى الاقتراض، بل يعتمد في الأساس على الاستهلاك الذي يمكن الاستغناء عنه.
وأشار البوعينين في حديثه للجزيرة نت إلى أن أكثر من 83% من توزيع محفظة الأفراد في البنوك موجهة للقروض الاستهلاكية، و17% فقط موجه للقروض العقارية.
وفي*السياق ذاته، يعتقد المحلل المالي والكاتب الاقتصادي عبد الله البراك أن هذه الأرقام ليست بالهينة، حيث إنها تشكل عبئا اقتصاديا على الأسرة المقترضة على المدى البعيد، إذ تفقد الأسرة ما بين 25% إلى 30% من دخلها السنوي في السداد.
وحين تحرص الدول على زيادة الطبقة المتوسطة باعتبارها العجلة الرئيسية في النمو الاقتصادي* فإن البراك حذر في حديث للجزيرة نت من أن ارتفاع نسبة القروض الاستهلاكية يشكل خطرا على الاقتصاد، باعتبارها كفيلة بنقل الأسرة من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة.
ارتفاع الدخل
ويعزو المصرفيون والاقتصاديون أسباب ارتفاع الاقتراض لأغراض الاستهلاك إلى*تغيرات العصر، والمجتمع الذي أصبح يفرض على الأفراد عادات استهلاكية جديدة يقول عنها البوعينين إنها تدفع نحو إدمان الاستهلاك، ومن ثم إدمان الاقتراض.
كما أشار البوعينين إلى سطوة القطاع التجاري بقدرته على تحويل المنتجات الاستهلاكية إلى منتجات أساسية، مع تسهيلات القطاع المصرفي في الحصول على القروض الاستهلاكية، وهي التي ساعدت -حسب رأي البوعينين- على ارتفاع حجم القروض بشكل كبير.
أما*أسباب ارتفاع القروض في المجتمع السعودي فعزاها البراك إلى ارتفاع دخل الفرد والسيولة المرتفعة لدى البنوك مع انخفاض الفوائد المفروضة على القروض.
وقد أظهرت بيانات لمؤسسة النقد العربي السعودي مؤخرا ارتفاع القروض الاستهلاكية بالجزء الخاص بالسيارات في الربع الأول 2013 بنسبة 25.4%.*
ثقافة الاستهلاك
وفي ظل سيطرة الرأسمالية على الأسواق وتصدير الثقافات ورفع كفاءة الترويج وعمليات البيع*انتشرت ثقافة الاستهلاك وغابت ثقافة الادخار والاستثمار. وبحسب البوعينين، فإن نسبة الادخار في المجتمعات الخليجية متدنية، وأغلبية الخليجيين لا يعتمدون على مدخراتهم لإشباع حاجاتهم الأساسية، بل على قروض البنوك.
ويشدد الاستشاري النفسي الدكتور فهد المنصور على غياب ثقافة الوعي الاستهلاكي لدى الكثير من الأسر السعودية, والبعد عن التفكير المنطقي, وهو ما يجعل الكثير منها تغرق في فوضى التخطيط المالي، على حد قوله.
وكانت مؤسسة النقد السعودي قد اتخذت العديد من التدابير للحد من التوسع في منح القروض الشخصية، منها: ألا تتجاوز المدفوعات الشهرية الإجمالية للمقترض مقابل إجمالي قروضه ثلث صافي راتبه الشهري، في حين أنها تتجاوز نسبة الاستقطاع من الراتب في بعض دول مجلس التعاون الخليجي (50%) مع سجل ائتماني للعميل يمكن البنك من اتخاذ القرار الائتماني السليم.
وسياسة البنوك التحفظية في الإقراض -والتي تشترط تحويل الراتب على البنك المقرض- ساهمت في انخفاض نسبة تعثر السداد، والحد من النمو في الإقراض.
ويقول البوعينين إن نسبة التعثر في قروض الأفراد "متدنية جدا مقارنة بالنسب العالمية"، حيث تتراوح بين 1.2%*و1.75%، أي أنها أقل من 2%.